التغريدة التي بعث بها الرئيس دونالد ترامب على تويتر في 23 ديسمبر واعداً بانسحاب «بطيء وجهد منسق» للقوات الأميركية من سوريا قد تخفف قليلاً من مشاعر الاستياء السائدة بين المسؤولين والمحليين في واشنطن، ولكنها لن تُنهي الانتقادات التي أثارها قراره. ولهذا السبب تحديداً ينبغي على الرئيس الأميركي النظر إلى الضجة التي اندلعت بعد إعلانه الانسحاب من سوريا كفرصة لاتخاذ جملة من التدابير قصد الاستفادة لأكبر حد ممكن من الخطوة الصائبة وغير الشعبية في آن التي أقدم عليها.
العديد من المراقبين اعتبروا أن الانسحاب يمنح النصر في سوريا لروسيا وإيران والحكومة السورية. ولكن هذا مناف للعقل. ذلك أن نظام بشار الأسد يسيطر أصلاً على نحو ثلثي سوريا، بما في ذلك كل المدن الكبيرة. ثم إن الجزء الذي تسيطر عليه القوات الأميركية من سوريا إلى جانب حلفائها من «قوات سوريا الديمقراطية» هو في معظمه صحراء أو سهول معرضة للجفاف. وحقول النفط هناك تنتج نفطاً ذا قيمة متدنية وبه نسبة عالية من الكبريت، كما أن الإنتاج أخذ يتقلص منذ وقت طويل. ووفق صندوق النقد الدولي، فإن عائدات النفط لم تشكّل سوى نحو 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السوري قبل انتفاضة 2011. باختصار، إن الإبقاء على شمال سوريا لم يكن سيمكّن واشنطن من انتزاع أي تنازلات مهمة من دمشق أو طهران أو موسكو.
وفضلاً عن ذلك، فإن الاستقرار هو المصلحة الأميركية طويلة الأمد في شمال شرق سوريا، وليس منطقة محاصرة للأكراد السوريين تتمتع بالحكم الذاتي. وتركيا تستطيع أن تقبل بشروط عودةَ قوات الحكومة السورية إلى المنطقة، كما تريد روسيا وإيران. ذلك أن أنقرة تكره الحكومة السورية، ولكنها تكره أكثر سيناريو منطقة كردية مستقلة بمحاذاة حدودها.
وعلاوة على ذلك، فإن أصدقاء الولايات المتحدة السابقين، الأكراد السوريين، كانوا يسمحون دائماً لدمشق بالإبقاء على مكاتبها الأمنية مفتوحة في شمال شرق سوريا، ذلك أن الأكراد لم يغلقوا أبداً قناة الاتصال تلك. بل يمكن القول إن الأكراد السوريين يفضلون انتشار قوات الحكومة السورية على طول الحدود التركية من أجل ردع أنقرة. والدبلوماسية الروسية النشطة يفترض أن تكون قادرةً على تأمين صفقة بشأن انتشار منظم، وربما تدريجي، لتلك القوات الحكومية السورية في المنطقة التي كانت تسيطر عليها سابقاً الولايات المتحدة.
كما أن الانسحاب الأميركي لن يغيّر المعادلة بالنسبة للأمن الإسرائيلي. وفي هذا الصدد، لفت «ياكوف أميدرور»، وهو رئيس سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إلى أن مساهمة الجنود الأميركيين ضد القوات الإيرانية في سوريا كان «هامشياً إلى منعدم». وفي حال حاولت إيران إنشاء جسر بري ليربطها بحلفائها في لبنان، فإن القوة الجوية الإسرائيلية أكثر من قادرة على منع تلك الإمدادات.
وعموماً، ينبغي على إدارة ترامب اغتنام الأسابيع القليلة المقبلة لدعم جهود مقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» للسيطرة على البلدات المتبقية في شرق سوريا التي مازالت تحت سيطرة تنظيم «داعش»، وفي الأثناء، ينبغي على الإدارة الأميركية أن تبعث بثلاث رسائل إلى موسكو.
أولاها، ينبغي أن تعرض على روسيا التعاون في تعبيد الطريق لصفقة بين «قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق تسمح للجنود السوريين بالعودة إلى شرق سوريا على نحو يبدد التخوفات الأمنية التركية ولا يمنح فضاء جديداً لتنظيم «داعش». وثانيها، يمكن لواشنطن أن تعرض تقاسم معلومات استخباراتية حول تنظيم «داعش» في شرق سوريا مع الروس وإقامة خط ساخن فعال في حال قررت الولايات المتحدة أنه ينبغي لقوة مرابطة في المنطقة أن تضرب أهدافاً تابعة لـ«داعش» داخل سوريا. وثالثها، ينبغي أن تخبر الكرملين بأن الولايات المتحدة ستدعم الخطوات الإسرائيلية للرد على الأعمال الإيرانية في سوريا والتي تهدد أمن إسرائيل.
وختاماً، على الرئيس الأميركي أن ينكب على مسألة الانسجام بينه وبين فريقه للسياسة الخارجية بخصوص سوريا. ذلك أنه في حاجة إلى موظفين في مجلس الأمن القومي يستطيعون نقل محاذيره وتخوفاته على وجه أوضح بشأن السياسة الخارجية الأميركية إلى الأشخاص المكلفين بتنفيذها. وعلى هؤلاء الموظفين أن يوضحوا للمسؤولين في الوزارات أنه لئن كان الرئيس يستمع إلى آراء مختلفة للوزارات، فإنه يتعين على تلك الوزارات أن تتصرف وفق توجيهاته. فالتحقق من التطبيق هو مهمة مجلس الأمن القومي. ولا شك أن الرئيس سيستفيد سياسياً، والأهم من ذلك أن الأمن القومي الأميركي سيستفيد من فريق سياسة خارجية أكثر فعالية.
 
روبرت فورد
زميل «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن، وسفير أميركي سابق إلى سوريا من 2011 إلى 2014
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»